فصل: تفسير الآية رقم (101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أريد وصاله ويريد هجري ** فأترك ما أريد لما يريد

ومن اللغو في اليمين عندهم ما يجري على لسانهم في حال غلبات الوجد من تجديد العهد وتأكيد العقد كقول بعضهم:
وحقك ما نظرت إلى سواكا ** بعين مودّة حتى أراكا

فإن هذا ينافي التوحيد وأين في دار ديار كلا بل هو الله الواحد القهار {ليس على الذين آمنوا} بالتقليد {وعملوا الصالحات} الأعمال البدنية الشرعية {جناح فيما طعموا} من المباحات {إذا ما اتقوا} الشبهة والإسراف {وآمنوا} بالتحقيق بعد التقليد {وعملوا الصالحات} الأعمال القلبية الحقيقية من تخلية القلب عما سواه ومن تحليته بالأخلاق المضادة لهواه كالصدق والإخلاص والتوكل والتسليم وما عداه {ثم اتقوا} شرك الأنانية {وآمنوا} بهويته {ثم اتقوا} هذا الشرك وهو الفناء في الفناء {وأحسنوا} وهو البقاء به فافهم جعل الله البلاء لأهل الولاء كاللهب للذهب فقال: {يا أيها الذين آمنوا} إيمان المحسنين الذين تجردوا عن ملاذ وشهواتها الحلال وأحرموا بحج الوصول وعمرة الوصال {ليبلونكم الله} في أثناء السلوك بشيء من الصيد وهو المطالب النفسانية والمقاصد الدنيوية الدنية. {تناله أيديكم} يعني اللذات البدنية ورماحكم يعني اللذات الخيالية {فله عذاب} الردّ والصد {ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} يعني من أحرم لزيارة كعبة الوصال فعليه حسم الأطماع من الحرام والحلال {متعمدًا} أي عالمًا بما في الالتفات إلى غيره من المضار {مثل ما قتل من النعم} يجازي نفسه برياضة ومجاهدة يماثل ألمها تلك اللذة {ذوا عدل} هما القلب والروح يحكمان على مقدار الإسلام وعلى حسب قوّة السالك بتقليل الطعام والشراب، أو ببذل المال أو بترك الجاه أو بالعزلة وضبط الحواس {هديًا بالغ الكعبة} خالصًا عن الخلق لأجل الحق {طعام مساكين} هم العقل والقلب والسر والروح والخفاء كانوا محرومين عن أغذيتهم الروحانية فيطعمهم المعاملات الروحانية من صدق التوجه والصبر على المكاره والفطام عن المألوفات ومن الشكر والرضا وغير ذلك.
{أو عدل ذلك صيامًا} هو الإمساك عن الأغيار والركون إلى الواحد القهار لتذوق النفس الأمارة وبال أمرها، فإن كل هذه الأمور على خلاف طبعها {ذو انتقام} ينتقم من أحبائه بنقاب الدلال، ومن أعدائه بحجاب الملام والملال. {أحل لكم صيد} بحر المعارف والكشوف تنتفعون بالواردات وتطعمون منها السائرين إلى الله من أهل الإرادات {صيد البر} ما سنح للسائرين من مطالب الدنيا {ما دمتم حرمًا} أي في حال المحو لا في حال الصحو. {جعل الله الكعبة} كعبة الظاهر {قيامًا} للعوام والخواص يستنجحون بها حاجاتهم الدنيوية والأخروية، وكعبة القلب قوامًا للخواص ولخواص الخواص يلوذون بها بدوام الذكر ونفي الخواطر حتى يعلموا أن لا موجود إلا هو، ولا وجود إلا له {البيت الحرام} حرام أن يسكن في الكعبة القلب غيره والشهر الحرام هو أيام الطلب حرام على الطالب فيها مخالطة الخلق وملاحظة ما سوى الحق. والهدي هو النفس البهيمية تساق إلى كعبة القلب مع قلائد أركان الشريعة فتذبح على عتبة القلب بسكين آداب الطريقة عن شهواتها، فإذا وصل العبد إلى كعبة القلب شاهد بأنواره أن لله ما في السموات وما في الأرض. {شديد العقاب} يسدل الحجاب لغير الأحباء غفور رحيم للصادقين في الطلب بفتح الأبواب {إلا البلاغ} بالقال يتلو عليهم آياته وبالحال ويزكيهم {ما تبدون} بإقرار اللسان {وما تكتمون} من تصديق الجنان الخبيث ما يشغلك عن الله والطيب ما يوصلك إلى الله بل الطيب هو الله والخبيث ما سوى الله وفي ذلك كثرة والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (101):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

{يا أيها الذين آمنوا} أي أعطوا من أنفسهم العهد على الإيمان الذي معناه قبول جميع ما جاء به مَنْ وقع به الإيمان {لا تسئلوا عن أشياء} وذلك لأنهم إذا كانوا على خطر فيما يسرعون وفيما به ينتفعون من المآكل والمشارب وغيرها من الأقوال والأفعال فهم مثله فيما عنه يسألون سواء سألوا شرعه أو لا، لأنه ربما أجابهم من لا يضره شيء إلى ما فيه ضررهم مما سألوه، فإنهم لا يحسنون التفرقة بين الخبيث والطيب كما فعل بأهل السبت حيث أبوا الجمعة وسألوه، فاشتد اعتناقها حينئذ بقوله: {إن الله يحكم ما يريد} [المائدة: 1] وبقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ} [المائدة: 99] فكان كأنه قيل: فما بلغكم إياه فخذوه بقبول وحسن انقياد، وما لا فلا تسألوا عنه، وسببُ نزولها- كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه «أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم- وشرح يكرر ذلك، وإذ جاء رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر رضي الله عنه فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا، نعوذ بالله من سوء الفتن.
وفي آخره: فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}»
وللبخاري في التفسير عن أنس أيضًا قال: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، لهم حنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت {لا تسئلوا عن أشياء}» الآية.
وللبخاري أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء} حتى فرغ من الأية كلها» ولابن ماجه مختصرًا وللحافظ أبي القاسم بن عساكر في الموافقات فيما أفاده المحب الطبري في مناقب العشرة وأبي يعلى في مسنده مطولًا عن أنس رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ونحن نرى أن معه جبرئيل عليه السلام حتى صعد المنبر- وفي رواية: فخطب الناس- فقال: سلوني! فوالله لا تسألوني عن شيء اليوم إلا أخبرتكم وفي رواية: أنبأتكم به- فما رأيت يومًا كان أكثر باكيًا منه، فقال رجل: يا رسول الله- وفي رواية: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله- إنا كنا حديث عهد بجاهلية، من أبي؟ قال: أبوك حذافة- لأبيه الذي كان يدعى له- وفي رواية: أبوك حذافة الذي تدعى له- فقام إليه آخر فقال: يا رسول الله أفي الجنة أنا أم في النار؟ فقال: في النار، فقام إليه آخر فقال: يا رسول الله! أعلينا الحج كل عام؟- وفي رواية: في كل عام- فقال: لو قلت: نعم، لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها عذبتم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا- وفي رواية: رسولًا- لا تفضحنا بسرائرنا- وفي رواية: فقام إليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! إنا كنا حديث عهد بجاهلية فلا تبد علينا سرائرنا، أتفضحنا بسرائرنا- اعف عنا عفا الله عنك، فسرى عنه، ثم التفت إلى الحائط فذكر بمثل الجنة والنار» وللإمام أحمد ومسلم والنسائي والدارقطني والطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطب- وفي رواية: خطبنا- رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس! إن الله قد فرض عليكم الحج حجوا»، فقال رجل- وفي رواية النسائي: «فقال الأقرع بن حابس التميمي-: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال: من السائل؟ فقال: فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لو قلت: نعم، لوجبت، ثم إذا لا تسمعون ولا تطيعون، ولكن حجة واحدة»- وفي رواية الدارقطني والطبري: «ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها»- وفي رواية الطبري: «ولو تركتموه- لكفرتم»، فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} ثم قال: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه- وفي رواية: فاجتنبوه» وهذا الحديث له ألفاظ كثيرة من طرق شتى استوفيتها في كتابي «الاطلاع على حجة الوداع» ولا تعارض بين هذه الأخبار ولو تعذر ردها إلى شيء واحد لما تقدم عند قوله تعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} من أن الأمر الواحد قد تعدد أسبابه، بل وكل ما ذكر من أسباب تلك وما أشبهه كقوله تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال} [النساء: 77]- الآية، يصلح أن يكون سببًا لهذه، وروى الدارقطني في آخر الرضاع من سننه عن أبي ثعلبة الخشني وفي آخر الصيد عن أبي الدرداء رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» وقال أبو الدرداء: «فلا تكلفوها، رحمة من ربكم فاقبلوها» وأخرج حديث أبي الدرداء أيضًا الطبراني.
ولما كان الإنسان قاصرًا عن علم ما غاب، فكان زجره عن الكشف عما يسوءه زجرًا له عن كل ما يتوقع أن يسوءه، قال تعالى: {إن تبد} أي تظهر {لكم} بإظهار عالم الغيب لها {تسؤكم} ولما كان ربما وقع في وهم متعنت أن هذا الزجر إنما هو لقصد راحة المسؤول عن السؤال خوفًا من عواقبه- قال: {وإن تسئلوا عنها} أي تلك الأشياء التي تتوقع مساءتكم عند إبدائها {حين ينزل القرآن} أي والملك حاضر {تبد لكم} ولما كان ربما قال: فما له لا يبديها سئل عنها أم لا؟ قال: {عفا الله} بما له من الغنى المطلق والعظمة الباهرة وجميع صفات الكمال {عنها} أي سترها فلم يبدها لكم رحمة منه لكم وإراحة عما يسوءكم ويثقل عليكم في دين أو دنيا؛ ولما كانت صفاته سبحانه أزلية، لا تتوقف لواحدة منها على غيرها، وضع الظاهر موضع المضمر لئلا يختص بما قبله فقال نادبًا من وقع منه ذنب إلى التوبة: {والله} أي الذي له مع صفة الكمال صفة الإكرام {غفور} أزلًا وأبدًا يمحو الزلات عينًا وأثرًا ويعقبها بالإكرام على عادة الحكماء {حليم} أي لا يعجل على العاصي بالعقوبة. اهـ.

.قال الفخر:

في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:
الأول: أنه تعالى لما قال: {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} [المائدة: 99] صار التقدير كأنه قال، ما بلغه الرسول إليكم فخذوه، وكونوا منقادين له، وما لم يبلغه الرسول إليك فلا تسألوا عنه، ولا تخوضوا فيه، فإنكم إن خضتم فيما لا تكليف فيه عليكم فربما جاءكم بسبب ذلك الخوض الفاسد من التكاليف ما يثقل عليكم ويشق عليكم.
الثاني: أنه تعالى لما قال: {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} وهذا ادعاء منه للرسالة، ثم إن الكفار كانوا يطالبونه بعد ظهور المعجزات، بمعجزات أخر على سبيل التعنت كما قال تعالى حاكيًا عنهم {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسرار: 90] إلى قوله: {قُلْ سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسرار: 93] والمعنى إني رسول أمرت بتبليغ الرسالة والشرائع والأحكام إليكم، والله تعالى قد أقام الدلالة على صحة دعواي في الرسالة بإظهار أنواع كثيرة من المعجزات، فبعد ذلك طلب الزيادة من باب التحكم وذلك ليس في وسعي ولعل إظهارها يوجب ما يسوءكم مثل أنها لو ظهرت فكل من خالف بعد ذلك استوجب العقاب في الدنيا، ثم إن المسلمين لما سمعوا الكفار يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزات، وقع في قلوبهم ميل إلى ظهورها فعرفوا في هذه الآية أنهم لا ينبغي أن يطلبوا ذلك فربما كان ظهورها يوجب ما يسوءهم.
الوجه الثالث: أن هذا متصل بقوله: {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [المائدة: 99] فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أحوال مخفية إن تبد لكم تسؤكم. اهـ.